السبت، 25 أغسطس 2018

من طرابلس إلى الأندلس | الجزء الثاني - برشلونة و غرناطة



هذه التدوينة هي الجزء الثاني، لقراءة الجزء الأول أضغط  هنا 
_________________________________



كنت متجها الى برشلونة عبر الخطوط الفرنسية و هي الخطوط الرسمية للدولة الفرنسية و بعد ساعتين من الطيران  حطت بنا  طائرتنا  في مطار برشلونة الدولي و هناك مررت بتجربة جميلة حيث أنني سرت طويلا في المطار حتى وجدت نفسي خارج المطار فخفت قليلا فكيف أنني خارج المطار ولم يختم أحد جواز سفري وانا قد دخلت لبرشلونة  فقررت الرجوع لسؤال الشرطي فلربما كانت تلك مخالفة فالقانون لا يحمي المغفلين وانا لست منهم، أخبرني الشرطي أن الرحلات الداخلية لدول  الشنغن الـ26 لا يستلزم فيها الختم و تأكد من  أني أحمل تذكرة من باريس و تركني أذهب و عجبت من هذه الخطوة التي تعكس مدى الارتباط الأمني الكبير بين هذه الدول، سألت عن مكان تواجد الحافلات التي تقود لوسط المدينة فأرشدوني اليها، و قد  كنت ابحث عن ساحة المدينة لأني كنت استعين بجوجل ماب حيث استأجرت هوستل في وسط المدينة يدعى  Etaca Hostel  و هو يقع امام الكنيسة الرئيسية في برشلونة و يقع في الحي القوطي و الذي يعتبر من الأحياء القديمة في برشلونة و هو مقصد مهم جدا لكل السياح.

وصلت ليلاً للهوستل و استلمت سريري المخصص لي عند الحجز واستمتعت بالحديث مع موظفة الاستقبال التي يبدو أنها كانت في حالة فراغ  ففضلت أن تملئه بالحديث معي عن برشلونة و اهم معالمها و كيفية التجول فيها ومن طرائف حديثنا أنها حدثتني عن أفضل الحانات التي تقع بالقرب من الهوستل فأخبرتها أنني لست مهتم لأني لا أشرب الكحول، فاستغربت و لكنها استطردت قائلة أنه يبدو أن الليبيين لا يشربون الكحول فقد كان هناك شاب ليبي قبل مدة هنا و هو ايضا كان لا يشرب الكحول، وهي كانت تعني صديقي رائد القبلاوي فهو الذي أخبرني عن هذا الهوستل، و لكني لم اخبرها أنه صديقي وفضلت أن تبقى لديها فكرة ان الليبيين لا يشربون الكحول، ورغم أن الأمر صحيح فهي عادة ليست مستشرية و لكن ستجد الكثير ممن يشرب الكحول بالطبع.

كعادة الهوستلز ستجد أن الصباح الباكر هو الفترة الأكثر نشاطا بالمبنى لذا ستضطر للنهوض مبكرا و هو ما كنت أنشده بالطبع فأنا لم أتي هنا للنوم أو الإسترخاء، تناولت افطاري في أحد المطاعم القريبة داخل الحي القوطي القديم وهو حيث أقيم وهو أحد أقدم الأحياء في برشلونة و يتميز بمعماره القديم و المميز و بعد جولة مطولة بالحي وجدت نفسي أمام متحف تاريخ برشلونة فتحمست لدخوله فكيف لا وهو سيروي لي تاريخ هذه المدينة العريقة و الجميلة، دفعت 15 يورور ثمن التذكرة و المتضمنة جهاز مسموع للإرشاد الصوتي داخل المتحف، و في الحقيقة بعد ساعة و نصف أو ساعتين من المشي داخل المتحف أستطيع أن أقول بثقة أن هذا المتحف لا يمكن أن يتحصل على 4 من 10 في تصنييف المتاحف لو أردنا التصنيف فهو ممل و غير مشوق، و لربما كان تقييمي الشخصي يختلف عن البعض الأخر لكن بشكل عام إن فاتك زيارته فلم يفتك اي شئ عظيم، بعد خروجي من المتحف كان موعد الصلاة قد حان و ايضا الغذاء فبحث عن أقرب مسجد بالهاتف و كان يبعد 1.5 كم و ما أن وصلت فيه حتى كاد التعب أن  ينهكني  من المشي في المتحف، صليت فيه الظهر و العصر و تناولت بجانبه في أحد المطاعم الحلال وجبة غذاء كانت بسيطة جدا نظرا لأن المعروض بالمطعم لم أستسغه ولا بد من الشراء فباقي المطاعم تعتبر غير حلال عدا البحرية أو البيتزا و وقد مملت البيتزا في باريس.

كان اليوم ممطرا و إن كان ليس بالشديد و لكنه كان ممطرا و لحسن الحظ جلبت معي مظلتي فبها تستطيع التنقل و إستخدام الهاتف بحرية دونما خوف من المطر أو مانحوه، تنقلت كثيرا في أزقة برشلونة خاصة وسط المدينة و التي تميزت بوجود الجنسيات من جنوب شرق أسيا وهو امر لاحظته بغزارة في باريس فلعل الأرض قد ضاقت بما رحبت عليهم في بلادهم فأنتشروا في بلاد الله الواسعة كباريس و برشلونة و غيرها، أمضيت ليلتي الأولى أتنقل في أزقة برشلونة مستمتتعا بزخات المطر و أيضا بالمحلات التي لم تكن تستهويني كثيراً ولكن كان ولابد أن أدخل فأزرو و أرى المعروض، رجعت على إثرها للهوستل بالحي القوطي الهادئ حيث وجدت أغلب رواد الهوستل موجودين فجلست مع بعضهم في القاعة الرئيسية للحديث قليلا معهم و هي من مزايا الهوستل حيث ستجد وقت و أناس تتبادل معهم أطراف الحديث بدل ان تكون بغرفة في فندق كالبائس المسكين وحيداً، و من طرائف تلك الليلة أنني عندما هممت بالنوم دخلت للمطبخ حيث يعتبر المطبخ عام أي أنك تستطيع طهي اي شئ و يمكنك إستعمال الثلاجة لحفظ أغراضك طول الوقت، المهم أني دخلت المطبخ و قد كان صغيرا نوعا ما فوجدت الفتاة الأرجنتينية تطهو شئ ما على الغاز و قد كانت تقف بيني وبين الثلاجة فسألتها بلطف هل يوجد ماء بالثلاجة فأخبرتني بنعم و على الفور فتحت الثلاجة و أعطتني زجاجة ماه معدني لأشربها، سكبت البعض منها في كوب وشربت أول شربة بقوة لأني كنت عطشاً جدا، و كأنني شربت ماء ساخناً او ماء لاذعاً جدا، على الفور سكبت الماء من فمي في الحوض و الفتاة متفاجئة جدا و تسائلت عن السبب فأخبرتها أنه ليس بماء فأستغربت فهو كما مكتوب في الزجاجة ماء معدني، و لكن يبدو أن أحد " الأشاوس " الذين يقطنون هذا الهوستل قد سكب بعض الخمر في هذه الزجاجة ولا أعرف لماذا فالأمر مباح على ما أعتقد هناك، المهم أني أخيرا شربت حتى رويت من مياه الحنفية ولا عدمنا خدمات بلدية برشلونة  بمياه الحنفية!.

أستيقظت صباح ثاني يوم مع نشاط و تشويق فهو أحد أهم أيام الرحلة ككل إنه اليوم الذي سأزرو فيه قلعة الكامب نو ملعب فريق برشلونة و سأتمكن من حضور مباراة لفريق برشلونة ضد ليفانتي في الدوري الأسباني حيث سأرى ميسي و رفاقه يلعبون فوق ارضية الملعب لا فقط من خلال شاشة التلفزوين كما هو الحال دائما، المهم أني خرجت من الهوستل و كالعادة الفطور في الحي القوطي القديم له نكهة و رونق خاص، و خلال إفطاري بحتث قليلا في الإنترنت عن برشلونة و معالمها لكي أزور أحداها في الفترة الصباحية فالمباراة ستبدأ في النصف الثاني من اليوم، المهم خلال بحثي لفت نظري أن هناك متحف بالقرب مني لمهندس أسمه غاودي و هو أحد أهم الشخصيات المعمارية في أوروبا و في برشلونة و قد شيد له و لأعماله متحف خاص، ترددت في الذهاب اليه لخيبة املي بالأمس في متحف تاريخ برشلونة  ولكن عزمت على زيارته و
متحف المعماري غاودي - عدسة الهاتف
كان بالقرب من الكنيسة الكاثوليكية بالضبط، تتبعث أثر المتحف عبر الجوجل ماب حتى وجدت نفسي امام شاب و شابه في الإستقبال بالمتحف و سألتهم عن سعر تذكرة الدخول فأخبروني أنه مجانا لأن اليوم هو الأحد من أول شهر يناير وبالتالي كان الدخول مجاناً، فأكتشفت أن الكثير من المتاحف تلغي ثمن تذكرة الدخول في كل أول أحد من كل شهر و هذا العُرف أيضا معمول به في فرنسا من باب العلم، المهم سررت بالأمر فثمن الدخول في المعتاد هو 15 يورو كثمن غالبية المتاحف، تجولت في ردهات المتحف و كنت قد أستلمت جهاز مرشد صوتي لأستمع لكل الشروحات عندما أقف أمام أي تمثال أو مجسم أو أي شئ بالمتحف، حقيقة بعد جولة طويلة بالمتحف تمنيت أن أتجول فيه ثانية فقد كان متحف رائع بكل ما للكلمة من معنى و روعته تأتي من تصميمه من جانب و ايضا شخصية غاودي المهندس الفذ الذي أمتلك عقلية تفوق عصره بسنوات طويلة و هو الذي أعطى لبرشلونة نمطها المعماري الحالي و هو الذي صمم كنيسة ساغرادا فاميليا و التي بدأ البناء فيها منذ العام 1882 ولا يزال البناء مستمرا حتى اليوم و التي سأزورها لاحقا بعون الله، في نهاية جولتي لمتحف غاودي أستطيع أن أقول أن المتحف يجب أن يكون على أولوية كل زاور برشلونة لما له من قيمة فنية عالية جدا.


المرايا فن يبرع فيه غاودي بشكل كبير

خرجت من متحف غاودي الرائع و أنا أبحث عن أقرب مطعم تركي لتناول الغذاء فيه، وما أن تناولت الغذاء حتى جعلت وجهتي  المقبلة هي ملعب الكامب نو حيث ميسي و رفاقه في موعد مع جولة جديدة في الليجا الإسبانية التي يسيطر عليها بقوة منذ بداية الموسم، مما لفت نظري هو أن هناك بعض الطوابع الحائيطية و التي كانت لعلم اسبانيا تم حرقها وبالتحديد تم حرق التاج الملكي و شطب التاج في صور أخرى بالسواد، و هو أمر بالكبع له علاقة بالإحتجاجات الأخيرة التي سبقت
التاج الملكي تم مسحه من علم اسبانيا - عدسة الهاتف
 تواجدي في برشلونة حيث كما يعلم الكثير أن برشلونة تتكلع للإستقلال بأقليم كتالونيا إلا ان مدريد العاصمة الملكية تعارض الأمر بشدة، المهم أني جعلت الجوجل ماب يوجهني من مكاني حتى الكامب نو و كلما أقتربت من الملعب لاحظت الزخم الجماهيري لمشجعي برشلونة حيث من ملامح وجوههم السعيدة تعرف أنهم من كل حدب ينسلون فقد شاهدتهم من أمريكا اللاتينية و الشمالية و كان الأفريقي أيضا حاضرا بقوة و بالطبع لا انسى أهل جنوب شرق اسيا فهم كأهل المدينة تجدهم في كل مكان، ولمحت قبيل الدخول للملعب أن  أحدهم يبيع التذاكر أمام الملعب و هي سوق سوداء بالطبع و لكن هي معلومة لربما يريد أحدهم أن يشاهد مباراة مستقبلا و لا يفعل ظنا منه أن التذاكر الرسمية قد نفذت
، وللعلم فقد أشتريت التذكرة بمبلغ 140 دولار و كان كرسي الجلوس في المنطقة المميزة في منتصف الملعب وايضا هناك تذاكر رخيصة بمبلغ 49 يورو ولكن هي قليلة و بعيدة جدا و المتوسط دائما 120 دولار لثمن التذكرة، المهم أنه  عند كل زاوية أو باب تجد رجل امن يوجهك لبوابتك و من ثم الباب المخصص لك و من ثم كرسيك الذي حجزت فيه التذكرة، كل ذلك جرى بسلاسة و كأن الحضور فقط 1000 شخص لا 60 الف، و حينما جلست أنبهرت فعلا بالملعب الذي كان يشع باللون الأخضر لون الحياة اللون الذي أفتقدناه كثيرا في ملعب 11 يونيو بطرابلس حيث نراه دائما بلون أصفر أو أخضر باهت، إنما أخضر الكامب نو فهو شئ أخر ممتع و كأنني لم أرى أخضراً من قبل، و ماهي إلا لحظات حتى دخل ميسي و رفاقه للتمرين قُبيل المباراة و كانت هي المرة الأولى التي أشاهد فيها ميسي رأي العين و كانت لحظة مميزة فهو أفضل لاعب بالعالم و من منظوري الشخصي هو أفضل لاعب بتاريخ كرة القدم!.

من داخل قلعة الكامب نو 


مرت ساعة و نصف داخل الكامب نو أستمتعت فيها بشدة بالمباراة التي أنتهت بنتيجة 3 صفر كان لميسي بالتأكيد نصيب بها كالعادة، ألتقطت بعض اللقطات التذكارية بالملعب على أمل العودة مرة أخرى في مواعيد قادمة و خرجت مع الجماهير التي ما فتئت تتغنى بنشيد برشلونة الشهير و فضلت أن أنفصل في طريق لوحدي فأغلب الجماهير كانت تتجه لمترو الإنفاق و كنت أفضل المشي و تفقد الأزقة على أن أصل لمكاني بالمترو تحت الأرض، مشيت مطولا في شوارع برشلونة و لفت نظري هو الشغف الكبير لكل الناس هناك بالليجا الأسبانية، فما رأيت شاشة الا و فيها مباراة بالدوري الأسباني حتى يخيل لك أن الكل لا يفوت اي مباراة حتى و إن كانت للفرق الضعيفة بالدوري، أستقليت الحافلة للوصول للهوستل لكي أرتاح لأنهض من غد بكل نشاط لاخر الأيام ببرشلونة.


اليوم هو أخر أيامي ببرشلونة و هو الثالت و كنت قد تعرفت على أغلب رواد الهوستل و كالعادة كلما عرفت بنفسك من ليبيا كان السؤال المعتاد كيف هي الأحوال في ليبيا و كانوا بين مدرك  للوضع نسبيا و بين من لا يدري موقع ليبيا بالتحديد إنما يسمع أن ليبيا بها بعض المشاكل الأمنية، و بما انه لدي نصف يوم فقط في برشلونة قبل الإنطلاق لغرناطة أهم نقطة في رحلتي، فضلت أن أزور مكان واحد فقط و بالطبع لم أكن لأفوت كنيسة " ساغراد فاميليا " و هي أحد المعالم الشهيرة
ساغرادا فاميليا - تصميم غاودي 
جدا ببرشلونة و في اوروبا عامة و بالطبع مادامت من أشهر معالم برشلونة فلا بد ان يكون المبدع أنطونيو غاودي هو من صمم هذه القطعة المعمارية المميزة، المهم أني توجهت للكنيسة و لم يكن من الصعب الوصول لها فهناك محطات قطار و مترو و حافلات تضعك عند باب الكنيسة بالضبط فالإهتمام بها كبير لأنها تدر ربح وفير على الكنيسة التي يعتبر دخلها من الهبات و التبرعات و المدخول اليومي للسياح مثلي انا، وصلت و إذ به طابور طويل و كل البشر إما إثنين إثنين أو أكثر ألا العبد لله وحيدا كأنه قد قدم عليهم من خيمة عزاء، حان دوري و أخبرتني الموظفة أن التذاكر انواع حسب إمكانية الوصول فطلبت الذهبية و كانت بـ35 يورو و هي تتيح لك الوصول لأعلى قمة الكنيسة بالمصعد و من ثم النزول عبر الدرج في تجربة جميلة و أيضا يتم توفير جهاز  مرشد صوتي معك لإخبارك عن تفاصيل ساغراد و لما هي شهيرة و كيف بدأ البناء فيها في العام 1882 و لايزال مستمرا حتى العام 2026 كما هو مخطط له، تجولت فيها مليا و كان هناك مكان مخصص للصلاوات و مكان للتصوير و مكان تم تخصيصه كمتحف يروي تفاصيل بناء الكنيسة من القدم.
ساغرادا فاميليا من الداخل - ولازال البناء فيها مستمر 





إنتهيت من الكنيسة و كان قد خطر لي أن أزور فريق برشلونة من جديد و أشاهد تدريبات الفريق فلربما ألتقط صور مع أحد اللاعبين  ففي التدريبات يكون التصوير في العادة ممكنا لدى خروج اللاعبين، المهم أني أستقليت الحافلة حتى أقتربت من الكامب نو و لكني لم أعلم أين يوجد ملعب التدريبات الخاص بالفريق، فضلت سؤال أحد الحراس هناك فأخبرني أن برشلونة لا يتمرن هنا فلديهم مكان خاص يدعى " لاميسيا " و هي بالطبع أكاديمية برشلونة لتخريج اللاعبين و بها ملاعب للتدريب، المهم أعطاني الأسم بالضبط ووضعته في الجوجل ماب و وجدته يبعد قرابة 35 كم خارج برشلونة فأصررت على الذهاب لهناك، أستقليت حافلتين أو ثلاث للوصول للمحطة القريبة من اللاميسيا، تمشيت قليلا و في الحقيقة كانت المنطقة هي أحد ظواحي برشلونة و تتميز بالهدوء الكبير حيث تلاحظ الفرق بين  الهدوء هنا و صخب برشلونة و ضجيجها هناك ، وجدت المبنى و الملاعب و بحث مليا عن البوابة و وجدت رجل الأمن امامها فأخبرته أني أريد الدخول فلم يفهم أي كلمة مما قلت، كررت فلم يفهم و لم يفهم أحد ممن كان هناك فالأسبان للأسف ضعيفين جدا في اللغة الأنجليزية فالسواد المعظم خارج الجهات العامة لا يتقن الأنجليزية ولا ابسط الكلمات، المهم أني كتبت له ما أريد عبر مترجم جوجل و ترجمها للأسباني فأخبرني بكلمة No No  و طلبت منه كتابة ما يريد عبر الهاتف فعلمت أن التدريبات ليس متاحة الا ايام معينة، و كانت خيبة كبيرة لي فقد قطعت مشوار طويل لأشاهد التدريبات، تجولت كثيرا داخل شوارع هذه المنطقة الجميلة و التي بت راغبا في السكن فيها من جمال المناظر و هدوء الحي، أستقليت الحافلة من جديد للعودة، في طريق عودتي توقفت قليلا مع السوق القديم لبرشلونة و الذي يشبه سوق الحوت في طرابلس إلا أنه كان يتميز بالنظافة و النظام و تنوع المعروضات، تناولت غذائي هناك و توجهت للهوستل لكي أجمع أغراضي و أنتقل لمطار برشلونة الدولي للذهاب الى أهم نقطة في رحلتي غرناطة حيث تقف قلعة غرناطة " قصر الحمراء " رابضة هناك منذ مئات السنين.



لاميسيا - أكاديمية برشلونة لتخريج اللاعبين و منها تم إستكشاف ميسي

قبل أن أستقل الحافلة وجدت أحد الرسامين يوفر مهاراته في الرسم أن يرسمك مقابل 15 يورو، تفرجت على لوحاته فأردكت أنه رسام ماهر فوافقت على الجوس 10 دقائق لكي يرسمني لتبقى ذكرى و كانت النتيحة كما التالي :




أنتظرت لبضع ساعات بالمطار لكي أصعد للطائرة في الرحلة المتجهة الى غرناطة و قد خيم الليل تقريباً، كانت الرحلة تستغرق ساعتين حسب المذكور في التذكرة،و قد فضلت الذهاب الى غرناطة من برشلونة جواً لطول المسافة و التي إن قطعتها بالقطار فسأحتاج لـ11 ساعة و هذا وقت كبير لا أريد أن أضيعه وانا جالس في قطار. و مما أعجبني في الرحلات
ألآت كرت الصعود الألية - صورة أنترنت 
الداخلية خاصة عندما لا يكون لديك أغراض تريد شحنها بالطائرة، أن المطارات هناك توفر الات صغيرة كالات السحب الذاتي في عدة اماكن بالمطار و يمكنك ببساطة أن تأخد كرت الصعود الخاص بك كما تسحب أموالك  من تلك الالات و هي لقطة حضارية و شئ جميل يخفف من الإزدحام بالمطارات، المهم أني أستقليت الطائرة و أتجهت بنا الى غرناطة حيث أخبرتنا المضيفة أن الطقس في غرناطة ممطر لذا يفضل لبس الملابس الثقيلة تحسبا لأي شئ، ساعتين بالضبط و حطت بنا الطائرة في غرناطة  و الغريب ان المطار رغم سمعة الميدنة الا أنه صغير جدا و حتى أننا عندما هبطنا من الطائرة أضطررنا للذهاب من الطائرة حتى داخل المطار على أقدامنا و تحت المطر الذي لم يتوقف، و عندما دخلت كان المطار أشبه بمطار سرت فباب الخروج  امامك مباشرة و في الحقيقة كان هذا جيدا لي فلم أحتمل الإنتظار من تعب المشي طول اليوم ببرشلونة، وضعت أسم الهوستل الخاص بي على الجوجل ماب و أظهر لي ماهي  الحافلة التي يجب أن أستقلها للنزول قرب الهوستل، و حتى الحافلة كانت حافلة واحدة أصلا تدخل للمدينة، أستقليتها و نزلت بالقرب من الهوستل الذي اخترته أن يكون في وسط الحي القديم المسمى حي البيازين، عندما هبطت في غرناطة كانت الساعة تقريبا 10.30 مساء و لاحظت أن الهوستل قد ارسل لي بريد إلكتروني  منذ نصف ساعة للإستفسار عن الوصول فأجبتهم أني سأـصل بعد نصف ساعة عبر البريد الإلكتروني، و من ثم فضلت أن أتصل بهم للتأكيد لكن بعد عدة إتصالات لم يجب أحد على الهاتف فعملت أنني مقبل على شئ لن يعجبني!.

عندما وصلت للهوستل كان الباب مغلقاً و المطر تهطل و كنت محملا بحقيبة ظهر و حقيبة ملابس، و طرقت عدة مرات و ضغطت على الجرس ايضا و لكن لا أحد يرد أتصلت على الرقم المرفق بالإيميل و أيضا لم يرد أحد، إنها مشكلة كبيرة فكيف يغلق المبنى و لا أجد أحد يرد على اتصالاتي، و أنا أطرق على الباب سمعت أحدهم يناديني من ورائي فألتفت لأجد رجل من مظهره العام يبدو لي أنه قد فات مرحلة السُكر بكثيرة و معه  فتاتين شقراواتين بدا لي أنهم من روسيا أو ما نحوها، تقدمت بحقائبي لهم فأخبرتني الفتاة أن الهوستل مقفل، أي ان الإستقبال قد غادروا و لكن هو مفتوح لمن لديه مفاتيح غرفته، فأستغربت من الأمر و أخبروني أن أنتظر معهم لربما يخرج أحدهم من سكان الهوستل فأسأله فقد خرج الكثير حتى الأن، أنتظرت معهم قليلا ليخرج شاب عشريني من جنوب شرق اسيا – كالعادة هم في كل مكان – فسألته و أجابني أن سياسة الهوستل تجعل موظفي  الإستقبال يغادرون بعد العاشرة مساء، فأدركت اني في ورطة و علي أن أبحث عن  مكان أخر للنوم لهذه الليلة و في يوم الغد أرجع للهوستل لكي أسترد أموالي، أرتأيت أن أنتظر بعض الوقت و أتصل مجددا لعل أحدهم يرد عليا حتى من منزله فيأتي لينقذني، جلست أتحدث مع الرجل الاسباني السكير الذي كان يهدي بكلام اسباني غير مفهوم و تارة تارة يتحدث الأنجليزية و مما فهمته أن يتحدث عن غرناطة و وضعها الإقتصادي، كان يدعوني كثيرا لشرب البعض من خمرته التي معه أو أستنشاق بعض من الماريجوانا التي يدخنها فكنت أرفض بلطف واأنا أنظر للبار على أمل أن يكون هناك حل، مللت الإنتظار ففضلت الرحيل،  شكرت الرجل و الفتاتين على نصيحتهم لي في البداية و أنستهم لي في هذه الليلة الماطرة و  همت على وجهي أبحث عن فندق للنوم، وجدت فندق بدا لي  حسن المظهر و أخبرته أني أريد غرفة للنوم فأخبرني أن السعر هو 50 يورو لليلة و لم أستطع الرفض رغم أن سعر الهوستل كان 22 يورور لليلة، بعد أن أستلمت غرفتي خرجت للتنزه ليلا في أروقة غرناطة التي أحمل لها مكانة خاصة و أيضا للبحث عن العشاء و قد كان سهلا فالأخوة من المغرب و سوريا كُثيرون هنا و ستجد انواع كثيرة من المطاعم الحلال، تناولت عشائي و رجعت سريعا للفندق، فغذا يجب علي ان أكون عن أبواب غرناطة قبل الساعة 7صباحا و هو أمر أخافني فأنا متعب جدا و يجب ان أنهض من تلقاء  نفسي و لكن ما باليد حيلة مالي إلا النوم الأن.

كنت في نوم عميق جدا لم أستيقط منه إلا مع رنات منبه الهاتف ليوقظني من نومي و أنا أتمنى أني لم أفوت موعدي، أرتحت قليلا حينما وجدت الساعة هي 6.30 صباحا، تناولت إفطاري بشكل سريع بالفندق و أتجهت للبحث عن سيارة أجرة للتوجه الى قصر الحمراء بغرناطة و الذي يعتبر أهم معالم أسبانيا الأثرية و الذي يخلد لذكرى الإسلام بكل طوائفه و الثقافة العربية التي كانت  هناك لقرابة 8 قرون، أستقليت أحد سيارات الأجرة و التي كانت مصطفة فجرا في أحد الشوارع بإنتظار أول الزبائن و الذي كنت أنا، فأخبرني أن السعر هو 6 يورو ليُقلني إلى الحمراء فوافقت فهو سعر مقبول في ساعات الفجر الأولى، و ماهي إلا دقائق حتى وجدت نفسي امام قصر الحمراء الشامخ و الذي ظل شامخ في بناءه طيلة تلك السنين، عندما تصل للحمراء يتطلب الدخول أمرين إما أن تكون قد حجزت مسبقا عبر الإنترنت فيتم التنسيق لك مباشرة مع أحد المرشدين في مجموعة لا تتعدى 15 شخصاً و أيضا يمكنك أن تختار اللغة التي تريدها للمرشد، أو أن تصطف مع الطوابير التي عادة ما تكون طويلة للدخول للقصر رفقة المرشد فالدخول بشكل عشوائي أعتقد أنه ممنوع لأنه يربك المنظمين نظرا لصغر حجم القصور و العدد الكبير للزوار يومياً، أما أنا كنت قد حجزت مسبقا في ليبيا مع مرشد غرناطي
المرشد الغرناطي صحبة الوفد السياحي 
و مجموعته كانت 15 شخص باللغة الأنجليزية و قد كلفني الحجز 45 يورو شاملة زيارة القصرين و المرشد و كتيب تعريفي، عندما وصلت سألت عنه فقيل أنه على وصول و على أن أنتظر قليلا رفقة باقي مجموعتي، فعلا ما هي إلا لحظات حتى أتى مرشدنا الغرناطي الذي كان في مظهره يبدو كالمحقق الشهير شارلوك هولمز بقبعته السوداء المستديرة و معطفه الأسود أيضا و تقاسيم وجهه الباردة و التي تخلوا من ملامح الدفء، ولربما كان لصقيع غرناطة الحالي دور في ملامحه الباردة، تفحصت الحضور من مجموعتي و كانوا خليطاً فحسب اللهجات  كانت هناك عائلة يهودية ميزتها بقبعة اليهود الشهيرة و اللهجة العبرية و كان هناك الفرنسيون و جنوب شرق أسيا و كان هناك زوج من العرب يتكلمون العربية بأريحية ظنا منهم ان المجموعة خالية من العرب فيما كنت أسير بهدوء ولا علاقة لي بهم الا ما تسمعه أذناي من حديثهم الذي يدل أنهم عرسان جدد، دخلنا إلى قصر الحمراء و كان اول ما توجهنا له هو قصر كارلوس أو شارلز  الخامس أحد أباطرة الرومان الشهيرين و ملك أسبانيا في وقته، بُني هذا القصر عقب سقوط غرناطة، و كان يريد كارلوس ان يكون للملك قصر عظيم في غرناطة على عكس ما فعل البعض من الرهبان أو القادة ممن حوروا في تفصيل الكثير من غرف قصور الحمراء، فهو أراد لقصره أن يكون عظيماً في البناء، عندما تدخله ستتخيل كما لو كنت في الكولوسيوم الروماني فهو مثل البيت العربي لديه فناء داخلي يطل عليه كل الحجر و الأبواب و هو ذو شكل دائري، و بالتأكيد عندما ترى قصر الحمراء حتى من بعيد ستدرك ان هذا الشئ نشاز ولا يمكن أن يكون من نفس جنس قصر الحمراء.

تجولنا قليلا داخل القصر و من ثم بدأت الرحلة بالدخول لقصر الحمراء وهما قصرين منفصلين يميزهما اللون الأحمر للطوب الذي بني به المبنى و الحدائق الرائعة و جريان المياه في كل مكان، دخلنا أول الغرف التي تؤدي لردهات الحمراء و كان المشهد رائعاً جدا و أعتقد أن مازاد المشهد روعة أنني و الزوجين العربيان الوحيدون اللذين كنا نستطيع قراءة أغلب تلك النقوش و الزخرفات العربية و التي بلغت مقدار كبيراً من الدقة و الإتقان، و قد كانت جملة " ولا غالب إلا الله " هي
" ولا غالب إلا الله "  شعار دولة بني الأحمر - غرناطة
أكثر ما تم تكراره في القصور فهي شعار دولة بني الأحمر و قد أتخدها عبدالله الصغير أخر ملوك الأندلس حين عودته من أحد الغزوات فأصبح الناس يقولون له "عبدالله الغالب عبدالله الغالب " فقال لهم " ولا غالب الا الله" فأصبحت شعار خلدهم حتى اليوم، المرشد الغرناطي أسترسل في الشرح عن النقوش من جهة و تاريخ المكان من جهة أخرى و قد كانت الطريقة في الجولة مريحة جداً فالسماعات التي نضعها في أذاننا تجعلنا نتجول في اي مكان و نستمع للمرشد يشرح من خلال المايك المتبث على معطفه و هو لا يخلق فوضى في الجولة و ايضا يعطي مرونة أكثر لنا، كان اغلب الحضور يستمتع دون تعليق على الشروح ماعدا العائلة التي أظنها يهودية من خلال ملبسهم اليهودي كانت لهم اسئلة كثيرة حول المكان وبعض الأمور التي تطرح عادة من المرشد، دخلنا الكثير من الغرف و المميز في اغلبها أنها كانت تظل على مدينة غرناطة و خاصة تلك الغرفة التي أخبرنا المرشد أنها غرفة خاصة بالأمير عبدالله الصغير، في المعتاد لا يسمح أن تطيل المكوث في المكان كثيرا فالقصرين صغيران نوعا ما و لكل مجموعة وقت مخصص كي لا يحدث الإزدحام ولا يكون هناك اي معنى للجولة حينذاك، لذلك كنا نستمع لحديث المرشد من جهة و نلتقط الصور التذكارية للمكان من جهة، كنت مبهورا جدا بالزخارف و حاولت قراءة الكثير منها و لكن بعضها استعصى علي كثيرا و لم أفهمه، مررنا بصحن الاسود و الذي يعرفه الكثير من الناس و هي النافورة التي حولها أثني عشر أسدا و كانت ساعة زمنية حيث يخرج الماء من فم كل اسد بعد مضى ساعة ولكن مع مرور الوقت تعطلت ولا اعلم بفعل فاعل  كما هو مشهور أم بسبب عوامل الزمن و عدم الصيانة.



عز لمولانا السلطان أبي عبدالله الغني بالله 

ولا غالب الا الله - أكثر جملة تراها بالقصر

المرشد وهو يشرح معنى جملة ولا غالب الا الله للوفد السياحي

قلل الكلام تخرج بسلام - حكمة غرناطية 


وصلنا لمنتصف الجولة و كان لابد من استراحة عشر دقائق اعطاها لنا المرشد، فمنهم من ذهب للحمام و منهم من فضل أن يتجول في المكان وكان طلب المرشد ان نظل بالقرب منه حين تنتهي الإستراحة، فضلت أن اتجول داخل المكتبة الصغيرة و التي كانت تبيع تذكارات متعلقة بالقصر و روائعه و الكتب التي تخلد تاريخه و تاريخ من بنوه،أستغللت هذه الإستراحة لسؤال المرشد عن سؤال كان يراودني وقت الجولة فهو كان عندما يشير للمسلمين وقت الفتوحات يقول العرب جاؤوا و العرب ذهبوا بينما عندما يشير للفرنسيس و الأوروب عامة يقول النصارى، فسألته لما لا يقول المسلمين لأن العرب لم يكونوا هم وحدهم من فتحوا الأندلس فقد كان الامازيغ مشاركين بقوة في تلك الحملات و كانت الحضارة في 
المرشد أثناء الشرح يبرز بقبعة كقبعة المحقق  شارلك هولمز
الأندلس خليط بين العرب و الامازيغ و إن كانت الثقافة و اللغة المستخدمة هي ثقافة عربية، فأخبرني ان الناس قد أعتادت أن تربط الإسلام بالعرب و حتى الدخول للأندلس مربوط بالعرب لذلك فضل أن يقول العرب لكي يسهل الأمر على المستمعين. بعد هذه المحادثة القصيرة أستكملنا زيارة القصرين و كانت الوجهة للقصر الثاني او المشهور بجنة العريف حيث فيه حديقة كأنها الجنة مصورة في الأرض، دخلنا للمكان و كانت الدهشة في اعين الكل بما فيهم أنا، فحتى الشمس التي كانت تتوارى خلف الغيوم أشرقت و سقطت اشعتها على الجدران و المياه و الأزهار فأضحى المكان كأنه الجنة بالفعل، حقيقة كان المشهد خلاباً جدا و مما زاد المشهد روعة هو منظر بقية  قصر الحمراء في الضفة الأخرى و ايضا المنازل الصغيرة لحي البيازين المحاذي للقصر، حدثنا المرشد كثيرا عن جنة العريف و عن أن الحدائق العربية و التي استلهم تصميمها من حدائق الشام كانت دخيلة على أوروبا و قد أجتاز العرب انذاك الأوروب بأشواط في هذه النقطة، أقتربت رحلة قصر الحمراء من نهايتها حيث وقت بنا المرشد في مكان مخصص و جمع منا الأجهزة الصوتية و شكرنا على حسن تعاملنا معه بالجولة و طلب الينا ان نأخد راحتنا في التجول داخل الحدائق و كل ما حولها بحكم أنها مفتوحة و واسعة وليست كالقصرين محصورة بوقت محدد.




ما يميز الحمراء ان شرفاته كانت تُطل على مدينة غرناطة وهو أمر ذا ميزة لحكام غرناطة أنذاك

صحن السباع - وهو نافورة مائية لساعة دقيقة في وسط القصر

نافذة تحمل أنواع من الزخارف و النقوش الفريدة - قصر الحمراء 

مشهد أخر يبين ان الحمراء كانت تطل على المدينة من عدة جوانب

الحدائق هو فن برع فيه أهل تلك الفترة بشكل كبير

جزء من قصر الحمراء

جنة العريف - وهي حديقة قل نظيرها في تلك الفترة 

منظر الحمراء من مشهد جنة العريف

أحد اسباب تسميته بقصر الحمراء هو لونه المائل للحمرة!

لم أمكث طويلا هناك حيث تمشيت قليلا و من ثم فضلت أن أنزل للمدينة من جديد للتجول فيها، فهناك الكثير مما يجب استكشافه هناك فهي غرناطة، و ايضا كان مخططي ان أذهب بعد ظهيرة اليوم منطلقاً نحو ملقا في اقصى جنوب الاندلس حيث المدينة الهادئة والتي تحوي الكثير من المعماري الإسلامي الجميل، ولكن ماتزال النفس تواقة لغرناطة فيوم واحد لا
يكفي هنا، نزلت للمدينة و بعد اخر فطورلي في أحد المقاهي و بعد لحظات من التفكير العميق و الهادئ قررت أنني لن اغادر غرناطة و سأكسر جدولي المحدد مسبقا، فسأمدد مكوثي هنا يوم أخر و الغي سفري لملقا رغم أن حجز الهوستل هناك سيضيع عليا و لكن لكل قرار عيوب و مزايا، و من بعد القرار أتجهت للهوستل الذي أقفل بالأمس في وجهي باكرا لكي اطالبهم بأموالي عن ليلة الأمس الضائعة وايضا لحجز ليلة أخرى بالهوستل، وصلت لهناك و قابلت فتاة ايطالية في الإستقبال فحدثني مليا عن غرناطة و جمال غرناطة و ايضا اعجابها الكبير بالسياحة في غرناطة فهي تختلف كثيرا عن ايطاليا التي تحوي الكثير من الأثار لكن لا يتم استغلالها كما يستغل الأسبان حضارة الاندلس، و بعد حديث مطول تطرقت لحادثة الأمس و تأسفت الفتاة مني جدا لما حدث و لكنها اخبرتني ان ما حدث للأسف من شروط المكان وهو مذكور في الموقع ولكني كالعادة لا أقرأ كل الشروط، فأدركت أني يجب ان أدفع لهم نظير ليلة أخرى هنا و هذا ماحدث، و أنا هنا انصح دائما بقراءة شروط التذاكر الجوية و البرية و حجوزات الإقامات لما فيها من نقاط  مهمة كهذه التي وقعت فيها!.

كان الهوستل يقع داخل حي البيازين ذاك الحي العربي الذي كان مزيجاً بين العرب و اليهود و الامازيغ في فترة حكم المسلمين لغرناطة حينما كانت اللغة أنذاك هي العربية، هذا الحي هو أعرق الأحياء بغرناطة و لا يوجد شخص زار
الشارع التجاري - أهم شوارع حي البيازين 
غرناطة دون ان تجذبه رجلاه الى البيازين فهو جميل في معماره نظيف في أزقته رائع في الوانه مزدحم بمحلاته التي تبيع تذكارات السُياح، و لأني كنت ممن يستهويهم التاريخ فقد تجولت فيه بشكل كبير حتى أنني قمت ببث مباشر على صفحتي عبر الفيسبوك من خلاله لتعريف الناس بهذا الحي الرائع، في تجوالي بالحي شعرت كأني في بلد عربي فالكثير هنا من المغرب و مصر و سوريا و المختلف البلدان يعملون هنا و تسمع الاغاني العربية بشكل مكرر، و من بين ما وجدت شاب مغربي أستوقفني للدخول لمطعمه لتنازل غذاء مغربي فأخبرته أني لا أشتهي الطعام الأن، فطلب مني العودة لاحقا ولكنه بادرني مباشرة بالحديث معي حينما علم أني من ليبيا فأصبح يحدثني عن ليبيا و جمالها و تمنياته لنا أن يعم الأمن و الامان، و كان مما قال لي اني يجب ان أزور ساحة القديس سان نيكولاس و هي أحد اعلى القمم في الحي و منها سأرى اجمل مشهد للحمراء، فاسرعت الخطى و تتبعت وصفه لي و ما هي الا نصف ساعة حتى وجدت نفسي في ساحة عالية نُصب فيها صليبٌ كبير يوجه بصره  الى مكان ما وعندما أدرت ظهري لرؤية أين يتوجه الصليب رأيت أجمل مشهد يمكن ان تراه لقصر الحمراء، كانت ساحة القديس سان نيكولاس تطل من بعيد جدا على قصر الحمراء في مشهد عظيم و خلاب، ولذا كان السياح يتقاطرون على هذه الساحة بشكل متكرر، كان المكان شاعري جدا فهناك الغجر الذين يعزفون على ألاتهم الخاصة و التي اضفت على المكان رهبة و روعة جميلة، جلست كثيرا في المكان اتأمل الحمراء من بعيد و أتذكر عندما كانت تضج بالناس قبل 800 عام من الأن و كيف كانت الحل و العقد يخرج منها و كيف اصبحت الأن مزارا للناس فعملت أن لا يدوم في هذه الأرض الا وجه من خلق الأرض سبحانه و تعالى.

قصر الحمراء كما يرى من ساحة القديس سان نيكولاس

فتاة تتأمل الحمراء بهدوء

منظر الحمراء من هنا يلهم الكل للتصوير

من جمل المنظر أن الكثير تجدهم يحاولن  رسمه كما الشاب بالصورة!

خلال تجولي في الساحة لمحت مبنى في نهاية الساحة و كأن به هلال فأستغربت الأمر بشكل كبير، أقتربت من المبنى و كان شبه مغلق ففتحت الباب و جدتني في حديثة جميلة و أنيقة و صغيرة و لكنها تحمل منظرا يطل على الحمراء لا نظير له، فأستغربت الأمر و لكن استغرابي لم يطل حيث علمت أنه جامع غرناطة الكبير، فشعرت براحة وغبطة لان هذا المبنى الجميل بمعماره ومكانه هومسجد، سألت شخصا كان يبيع تذكارات في باحة المسجد عن وقت أذان الظهر فأخبرني أنه قريب جدا و يمكنني الدخول برفع السلسلة من على باب المسجد فهي وضعت لمنع غير المسلمين من دخول المسجد فقط،
مسجد غرناطة الجامع - صورة أنترنت 
توضأت و دخلت للمسجد، وما أن دخلت حتى تلقفني شخص أبيض اللحية كبير في السن فسلم علي بتحية الإسلام تم اصبح يحكي بالأنجليزية فعرف بنفسه أنه دكتور مدريدي اسباني مسلم يقطن مدريد و لكنه ياتي كثيرا الى غرناطة و سألني سؤال المتيقن هل انت عربي فأجبت بالإتباث فتسائل من اين فأخبرته أنني من ليبيا، و ما أن قلت من ليبيا حتى قال على الفور أن ليبيا لها فضل كبير على مسلمي غرناطة و هذا المسجد، فأستغربت الأمر بشدة و تسائلت عن السبب فأخبرني أن مسلمي غرناطة لم يكن لهم مسجد منذ سقوط غرناطة في العام 1492 و مع حلول التمانينياث فكر مسلمي غرناطة ان يكون لهم مسجد، فكانت هذه القطعة من الأرض مثالية جدا لقربها من حي البيازين حيث يقطن اغلب المسلمين و ايضا لإطلالتها على قصر الحمراء و لكن بالطبع هذه الميزات في قطعة ارض كان ولابد أن يكون سعرها غالي و باهظ جدا و هو الأمر الذي لا يطيقه مسلمي غرناطة، ولكن يبدو ان أحدهم في تلك الفترة و بالتحديد في العام 1985 قد أوصل الخبر للسفارة الليبية أو جميعة الدعوة الإسلامية  العالمية و التي تديرها ليبيا و على ما يقول الرجل فقد وصل الأمر مباشرة للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي فطلب من جميعة الدعوة الإسلامية  العالمية أن تقوم بشراء الأرض كهدية من الشعب الليبي لمسلمي غرناطة على ان تخصص الأرض لأوقاف غرناطة لا للدولة الليبية، وكان الأمر دفعة قوية جدا أنذاك حيث تم شراء الأرض و قُطع نصف الشوط، و من ثم عرضت الكثير من الدول ان تبني المسجد ولكن يبدو انها كانت تريد أن يكون المسجد تابع لها و هو ما عارضه اهل غرناطة الذين كانوا يذهبون على ماذهب اليه الإمام مالك في شعائرهم، و مع مطلع التسعينات تدخل الشيخ القاسمي فأمر ببناء المسجد كهدية من امارة الشارقة ليكون مسجد غرناطة هو هدية من العرب لغرناطة التي كانت موطن لهم في يوما ما.



صليت معهم الظهر و عرفني الرجل على شيخ المسجد المغربي و خطيبهم الأسباني و الذي تحول والداه من النصرانية للإسلام وولد هو مسلما بفضل الله، و كان حديث ذا شجون و لا يسع الموقف الأن لذكر كل تفاصيله المشوقة، ترجلت على أثر هذه المحادثة الى اسفل المدينة حيث تقع الكنيسة الكبيرة بغرناطة و التي كانت مسجداً يوما ما، و تجولت حولها و مضت الساعات سريعاً حتى عدت لصلاة العصر من جديد بمسجد غرناطة ولا أخفيكم أن جمال غرناطة الثاني بعد الحمراء هو التجول داخل حي البيازين الجميل، أمضيت تلك العشية اراقب غروب الشمس من على تلة سان نيكولاس الرائعة و لايشعر بجمال ذاك الموقف الا من وطأت قدماه المكان، صليت المغرب و تبادلت أطراف الحديث بالمسجد  مع شاب فرنسي من أصول جزائرية جاء لزيارة غرناطة و كان حديثه لا يمل و من بعد ذلك أرتأيت أتعرف على أناس من جنسيات مختلفة فكان لابد أن أبحث عن أقرب لقاء ببرنامج 
Couchsurfing  و الذي من مميزاته أنه يتيح لك اما البحث عن اصدقاء في بلدة ما لكي يستضيفوك في منزلهم مجانا طيلة فترة مكوثك هناك و الميزة الأخرى أنه يبحث لك عن اقرب لقاء تم إنشاءه على البرنامج، فمثلا في حالتي هذه أقوم بفتح التطبيق على هاتفي و أكتب في خانة Events  اسم المدينة الموجود بها أنا حاليا فتظهر لي كل اللقاءات و التجمعات التي تم إنشائها بواسطة اعضاء البرنامج فأختار ايهما أقرب لي أو المناسب لي من حيث الشروط أو من ناحية عدد الحضور، وجدت أحد اللقاءات في مطعم ايطالي في أطراف المدينة و قد كان بعد ساعة من أذان المغرب فأخترت أن أذهب له لسببين أولهما أنني سأقطع اغلب المدينة مشياً للمكان وهو أمر جميل للتعرف على المدينة ليلا و الثاني أن الحضور كان عدد لاباس به و متنوع الجنسيات، توكلت على الله و توجهت للمطعم و بالطبع كان الجوجل ماب هو مساعدي للوصول للمطعم و ماهي الا ساعة حتى وجدتني أقف امام الباب فدخلت و أستغربت فيبدو أنني أما أخطأت المكان أو أنني وصلت مبكراً، سألت الموجودين بالمطعم فأخبروني أنني فعلا بالمكان الصحيح و المكان المخصص للقاء هو في الزاوية الأخرى للمطعم، جلست هناك و ماهي الا لحظات حتى أمتلْ المكان بالشباب من مختلف الجنسيات، أستمتعت كثيرا بالحديث معهم و مما زاد المتعة أن هناك شاب و فتاة أسبانيين مهتمين بتاريخ الإسلام و العرب كان يحاولان طوال الوقت الحديث معي بالعربية و إن كانت متكسرة ولكن كانت رغبتهما بالحديث قوية، ومما أتذكره تلك الليلة أن هناك عادة اسبانية قديمة أندترث في اسبانيا ولكنها لازالت في غرناطة ألا و هي عندما تطلب شراب في الليل تأخد مجانا صحنا صغيرا  أسمه تاباس  Tapas متكون من البطاطا المحمصة و الخضار و اللحم و الخبز و هي عادة اسبانية احتفظ بها سكان غرناطة في كل مقاهيهم و مطاعمهم حتى الأن، تشوقت لتذوق الصحن فطلبت من المشرف على المطعم أن يجلب لي اي مشروب عادي فأخترت مشروب ريد بول فهي غير محرم فكانت الهدية معه ذاك الصحن الرائع.

في ثاني ايامي بغرناطة احسست بالراحة من تعب المشي في أول يوم ففضلت أن يكون صباح هذا اليوم هادئ دون زيارات أو صخب جدول معين، فقد كنت عازماً على الذهاب الى أشبيلية بلاد المعتمد بالله، و لذا ترجلت ماشيا في أزقة البيازين الرائعة و أكتشفت الكثير من الأمكنة الرائعة التي غابت عني يوم أمس، و كنت أنتظر حلول صلاة الظهر لأصلي بمسجد غرناطة و أسلم على من تعرفت عليهم هناك و أنطلق لأشبيلية ، و ماهي الا ساعات حتى أقترب الظهر و كنت واقفاً امام مسجد غرناطة و عندما كنت أهم بالدخول لاحظت رجلٌ من ملامحه بدا لي أنه في الخمسينات بالعمر، يتأملني قليلا ثم دخل للمسجد فدخلت على أثره و ما أن صليت تحية المسجد حتى هم بالحديث معي من بعيد بتحية الإسلام و كيف الحال و الأحوال فسألني من اي البلاد انا فأخبرته أني عربي من ليبيا فعلى الفور قالي لي هل تعلم... فقاطعته وانا مبتسم نعم اعلم ان ليبيا اشترت قطعة الارض و الى أخر القصة... !. إبتسم خجلاً بعد أن علم أني أعلم القصة مسبقاً فأصبح يسألني عن ليبيا و أهلها و بدا لي أنه مطلع على الشأن الليبي و أخبرني أنه من أنجليزي لكن أصوله القديمة من باكستان، و كان مما أخبرني أن هناك شيخ – نسيت اسمه – سيأتي بعد غد هنا و طلب مني المكوث لمقابلته فأخبرته أنني أريد السفر لأشبيلية فلدي مواعيد هناك فأخبرني أنه لو كان مكاني لفضل رؤية الشيخ على رؤية قصور المعتمد بالله، و لكني بالطبع كنت افضل رؤية اشبيلية في تلك الفترة.
قصر الحمراء كما يرى من باحة مسجد غرناطة الجامع


رحلت من غرناطة إلى أشبيلية بالحافلة و لم تكن مسافة بعيدة بين البلدتين ففضلت أختيار الحافلة العامة من محطة غرناطة العامة، ومما لاحظته بالمحطة أن هناك لافتة كبيرة و هي الرئيسة هناك و عليها كلمة ranadaق للدلالة على أن غرناطة جزء من لا يتجزء من الهوية العربية أو اللغة العربية كحد أدنى.


لافتة بمحطة غرناطة العامة


ركبت الحافلة و ألقيت برأسي على الكرسي لأرتاح من عناء يومين من المشي و التأمل في غرناطة وانا أفكر فيما ينتظرني هناك في بلاد المعتمد بالله اشبيلية، إلى الملتقى في الجزء الثالت و الأخير للتدوينة!


لقراءة الجزء الثالت أضغط هنا 

هناك 4 تعليقات:

  1. ماشاءالله سردك رائع كوفق

    ردحذف
  2. عشنا معاك في السرد ياصلاح ما شاء الله

    ردحذف
  3. سرد جميل و كأنني معك في تلك الجولة الممتعة ..أحسنت السرد

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف