الجمعة، 24 أغسطس 2018

من طرابلس إلى الأندلس | الجزء الأول - باريس




باريس، برشلونة، غرناطة، أشبيليه، قرطبة، مدريد و البُقرة،  هي كلمات لها قصص معي خلال النصف الاول من يناير للعام 2018 و أنا هنا سأحاول تدوين يوميات رحلة أعتبرها رائعة و هي بالتأكيد في أذهان وأحلام  الكثير ممن يعشقون زيارة باريس أرض الأحلام – أو هكذا كنت أظن – و الأندلس أرض الماضي المجيد.



هذه التدوينة هي قطعة كاملة تجاوزت كلماتها 13500 كلمة لذا ستكون على ثلاثة أجزاء أولهما هذا الذي بين يديك عزيزي القارئ. 



تظل الأندلس كلمة لها وقع خاص حين يسمعها كل عربي و أمازيغي في شمال افريقيا و ايضا كل مسلم أنتسب للحضارة الإسلامية، ففي فترة ما كان المجد و الحضارة مرتبط بكلمة قرطبة و الإسلام هناك، لذا نجد الكثير يحن للزيارة هربا من واقع مرير نعيشه ببلداننا أو ليشحذ الهمم من جديد و يعاود تلك الحضارة في موطنه الحالي، المهم أني كنت ممن تستهويهم الأندلس ولا أبالغ إن  قلت أنها استهوتني مبكراً جدا مذ كان عمري قرابة التسع سنوات حينما وقع في يدي كتاب " الأندلس من الفتح للسقوط " للمؤرخ الشهير راغب السرجاني وقد كان الكتاب من ممتلكات والدي " صالحين صالح البطي"  رحمة الله عليه، و عندما تعمقت في الكتاب و قرأته لم أتركه جانبا حيث اني قرأته عدة مرات و انبهرت حينها بقصص تلك الحضارة التي بلغت مبلغاً عظيما من العز و التطور، و التي يصعب تصديق ان أجداد العصر الحالي هم من بنوا هذا المجد المُسطر في ثنايا كتاب السرجاني.

لذلك ومنذ أن أعتدت على السفر كثيرا داخل و خارج ليبيا خصوصاً مع انضمامي للحركة الكشفية عزمت أن الأندلس هي مقصدٌ لابد من زيارته و التأمل في روعة تلك الحضارة و بالمناسبة أحب ان أشارككم معلومة لم أذكرها إلا هنا في هذه التدوينة و هي ما جعل زيارتي للأندلس و قرطبة تحصيل حاصل، فقد رأيت في المنام مرتين و في نسخة متطابقة أنني أزور الأندلس و بالتحديد مسجد قرطبة الجامع العظيم و أرفع الأذان داخل هذا المسجد في المنامين و أيضا رأيت أن زيارتي لم يكن بها رفقة فقد كنتً وحيداً على عكس كل رحلاتي التي لا أخرج إلا مع رفقة و أصدقاء، لذلك أملت حقا أني سأزور قرطبة قريباً.

لعل التفكير في السفر للقارة الأوروبية أو لغيرها من الدول التي تُطلق على نفسها دول العالم الأول يستدعي بالطبع التفكير في عناء الحصول على التأشيرة الخاصة بالدخول و هو أمر صعب بالنسبة لبعض الدول و سهل لأخرى, و هنا أسرد الأوراق اللازمة للحصول على تأشيرة شينغن لليبيين و هي تأشيرة يسمح لك فيها بزيارة 26 دولة أوروبية بعد منحك التأشيرة من إحدى هذه الدول شرط أن دخُولك في بادئ الامريكون  من حدود الدولة التي منحتك التأشيرة، و أنا هنا أخترت التقدم للتأشيرة الفرنسية لسببين أولهما و هو المهم أن لدي أجازه من العمل تمتد من 15 ديسمبر 2017 و حتى 15 يناير 2018 و كان لابُد ان أتقدم للسفارة التي تعطيي أقرب موعد للمقابلة بخصوص التأشيرة و كانت الفرنسية هي الأقرب حيث تطلب الامر يوم واحد فقط من تاريخ طلب الموعد و تاريخ المقابلة ،  اما السبب الثاني فقد كانت باريس و ما تحمله من متاحف غنية بالثقافة و الفنون و هو ما اتطلع لرؤيته منذ زمن خاصة متحف اللوفر الذي ذاع صيته فكان لابد من زيارته وها هي الفرصة قد حانت.

حملت ملف أوراقي للتأشيرة و كانت كالتالي ( حجز مبدئي طيران – حجز مبدئي فندقي – تأمين صحي 3 أشهر – كشف حساب مصرفي ساري المفعول – ورقة رسمية من جهة العمل تفيد بأنك موظف لديهم – عدد 2 صور شمسية خلفية بيضاء – استمارة البيانات و التي ستجدها بموقع السفارة – ورقة تأكيد حجز الموعد )، و بالنسبة لحجز الفندق و الطيران يكون من الأفضل  طيلة المدة التي تريد مكوثها في البلد الخاص بالتأشيرة، و لكي أن كانت اكثر فهي أفيد،  ومن الافضل ان تقوم بتوفير كل الاوراق في ليبيا بالدينار الليبي من أحد مكاتب السفر و السياحة و اما حجز الموعد الخاص بالسفارة الفرنسية فلمن أراد فاسم المكتب الخاص بالحجز في تونس  هو Ideal Travel  و ستجد المكتب  على الفيسبوك او ايضا في خرائط الجوجل إن  كنت في تونس  بنفس الاسم، المُهم بعد تجهيز الأوراق سيتطلب منذ تقديمك لها و استلام جوازك من 10 أيام حتى الأسبوعين و ضع في بالك أن السفارة الفرنسية سوف تحتفظ بجواز السفر الخاص بك طيلة هذه المدة، و ايضا إن مرت 5 أيام لم يتصل بك أحد من السفارة لإعطائك الجواز فهذا مؤشر قوي ان طلبك قد قُبل و يتم فقط إتمام الإجراءات.
راسلتني السفارة الفرنسية  عن طريق مكتب TLS  الخاص بإتمام التأشيرات نيابة عنهم, لاستلام جواز سفري و استلمته و قد تم منحي التأشيرة لمدة شهرين على أن تكون مدة الإقامة في الزيارة أقل من 30 يوم و أيضا تم منحي ميزة الدخول المتعدد طيلة هذان الشهران – على اساس أني مقطعها سفر في شهرين ماشي و جاي – و يبدأ مفعول التأشيرة منذ 27 من ديسمبر 2017 و حتى 27 من فبراير 2018.

في ذات اليوم الذي استلمت فيه التأشيرة وضعت مُخطط للرحلة و كان توقيتها من 4 يناير حتى 15 يناير من العام 2018م، على ان تكون من طرابلس إلى تونس و من ثم باريس و المكوث فيها يومان و الانطلاق بعد ذلك لبرشلونة و المكوث فيها ثلاثة أيام و بعدها الانطلاق لغرناطة، ملجا, أشبيليه، قرطبة ،مدريد و المكوث في كل هذه المدن لمدة يوم واحد و من بعد مدريد العودة لباريس و منها إلى تونس و طرابلس، و كان الهدف ان أحقق المعادلة الصعبة في كل من المواصلات و الإقامة حيث الحصول على سعر جيد و موفر جيد للخدمة، أما الإقامة فقد قررت أن أمكث في إقامة مختلفة عما عهدته سابقا ألا و هي في بيوت الشباب  Hostels لعدة أسباب أهمها ان بيوت الشباب تكون رخيصة السعر مقارنة مع أسعار الفنادق و مكانها غالبا تجده في منتصف المدن و بجنب الاماكن الحيوية نظراً لأنها لا تحتاج مساحات كبيرة في الغرف، و أيضا أنها مُلتقى لشباب من مختلف الثقافات و الدول في العالم كما لا يفوتني أن أُذكر القارئ أن بيوت الشباب هناك هي بخلاف بيوت الشباب عندنا من حيث الاهتمام بالنظافة العامة للمبنى و توفير خدمات ترفيهية فهي من ناحية الخدمات مثل الفنادق لوجود شروط و قيود هناك تحكمهم و يجب التقيد بها، لذا قررت أن أحصر خيارتي في بيوت الشباب بالمدن المستهدفة و بالطبع أًفضل موقع هو Www.Booking.com   لحجوزات الفنادق و الإقامات عامة لوجود عديد الخيارات به و أيضا لسهولة الحجز عن طريقه، و في تلك الليلة التي تحصلت فيها على التأشيرة رسمت مخطط لرحلتي يبدأ من تونس في 2 يناير و ينتهي بتونس في 15 يناير 2018.

سافرت تونس في الثاني من يناير 2018 و يبدو أن الرحلة لم تشأ أن تبدأ بشكل سلس فقد حدث معي صباح ذلك اليوم حدث مرعب قليلا، فبالرغم أني أسافر كثيرا جدا بالطيران خصوصا لتونس بحكم طبيعة عملي، إلا أن  ركاب رحلة طيران الأفريقية في صباح يوم 2 يناير كان ينتظرهم التشويق و الرعب، فما أن بقى على الهبوط أقل من ثلت ساعة حتى بدأت
تذكرة طرابلس - تونس 
الطائرة تميل يمين و يسار بشكل غير طبيعي و بحكم أني معتاد على المطبات الجوية علمت ان هذه ليست مطبات جوية خصوصا أننا لا نمر بسحب و غيوم ولا يوجد تحتنا جبال فمن أين هي المطبات التي تسبب هذا الاضطراب الشديد  و مع مرور الدقائق أصبحت الطائرات تضطرب بشكل مبالغ فيه جدا حتى جاءت لحظة مرعبة انحنت الطائرة عن مسارها قليلا و كأنما أحدهم قام بدفعها من الجانب مما خلق حالة من الهلع  جعل كبار السن يرددون بعض المقولات المعتادة " ياساتر و يا واقي "، أما أنا فقد كنت قلق جدا فهذا الاضطراب ليس له مبرر حسب خبرتي و زاد من قلقنا أن الكابتن عندما أراد إبلاغنا ان الطائرة تستعد للهبوط بعد عشر دقائق تلعثم و سكت قليلا كأنه يحبس أنفاسه أو كأنه خائف فحينها قلقنا بشدة و جال بخاطرنا أن الطائرة لن تصل للمهبط بسلام و للأمانة بت أفكر في الموت كخيار كحال من كان بجانبي!!, و لكن ماهي إلا دقائق حتى لامست عجلات الطائرة المهبط لتهدأ محركات الطائرة و يهدأ روعنا معها أيضاَ و لتكون هي الرحلة الأخطر بالنسبة لي في تاريخ رحلاتي الجوية، وكان سبب هذا الإضطراب ان الرياح كانت شديدة بالقرب من
الحدود البرية لتونس و لم يقم الكابتن بتنبيهنا بذلك، و في الحقيقة كان سبب قدومي لتونس قبل موعد السفر لباريس بيومين أني أردت ان أحتاط فلربما تم اقفال المطار أو تحدث اشتباكات أو شيء من هذا القبيل فالمزاج العام متقلب و الحروب في بلدنا لا تحلو للمتصارعين الا بالقرب من المطارات و لذاك فضلت ان اكون بتونس يوم 2 يناير 2018 و هو يوم إحتفال الإسبان بيوم سقوط غرناطة تلك التي كانت مقصدي من هذه الرحلة.

يوم 4 يناير كنت مستعداً للرحلة و التي فضلت أن تكون في منتصف النهار أي أنني سأصل باريس و الشمس لازالت في السماء فمن الجيد في حالات السفر ان تدخل المدن الجديدة في النهار لكي يتسنى لك الراحة و استكشاف محيطك مبكراً دونما أي ضغط من ناحية التوقيت، و أنا هنا فضلت أن أنزل في مطار باريس اورلي على أن أهبط بمطار شارل ديغول الضخم ، لأن الرحلات بأورلي في ذلك اليوم كانت متاحة بالنهار ايضا عبر الخطوط التونسية، و لابد أن أشير لبعض المواقع العالمية التي تختص بالبحث و الحجز الجوي و البري و التي أستخدمتها عند إعدادي للرحلة، أولها هو موقع https://www.skyscanner.net/ و الذي يعتبر الأشهر عالمياً ففيه ميزة البحث و الحجز لتذاكر الطيران و الفنادق و أجار السيارات، و قبل الحجز فهو يريك أرخص الاسعار لموفري الخدمة التي تريدها فمثلا عند وضعك لمسار رحلة من تونس الى باريس سيعطيك عدة نتائج تختلف اسعارها حسب شركة الطيران و الموعد و لك انت أن تختار ما يناسبك، كما
تذكرة تونس - باريس
أنه بهميزة رائعة و هي أن تعطيه مسار الرحلة و تجعل التاريخ شهر كامل وليس يوم، و هو سيعطيك ثمن التذكرة لكل ايام الشهر و كما هو معلوم أن ثمن التذاكر متغير و كل يوم بيومه ولعل اليوم الذي بعد سفرك هو ارخص فيمكنك التأجيل يوم أو أثنين لتكسب تذكرة أرخص في السعر، و الموقع الثاني هو
https://www.goeuro.com و هو للقاصدين السياحة و التنقل في أوروبا و يعطيك ميزة رائعة فبمجرد أن تعطيه المسار و التاريخ لرحلة ما يعطيك سعر الرحلة بالقطار، الطائرة و الحافلة و زمن كل رحلة، ولك أن تختار أيهما تفضل حسب وقتك و مالك، المهم أني أتممت حجوزاتي سابقا  وتوكلت على الله و صعدت الإيرباص A330  و اتجهت بنا الرحلة لباريس في زمن قدره ساعتين إلا بضعة دقائق لتحط الرحلة بهدوء على ارضية باريس اورلي و هو المطار الثاني للعاصمة الباريسية وحقيقة هو لا يقل عن مطار شار ديغول فخامة و كماليات في صالات الانتظار.

بادرني موظف الجوازات ببضعة أسئلة قبل ان يختم جوازي كانت عن هل أمتلك تذكرة عودة لتونس و هل احمل مال معي للرحلة و هل سأمكث في باريس فقط!، حقيقة اخبرته أني أريد زيارة مدن فرنسية أخرى لأني بإجازة و لم أبلغه أنني سأتوجه لإسبانيا فهذا أفضل لي و له أيضا كي لا تطول المحادثة بيننا، أخدت أغراضي و جوازي و توجهت للخارج قاصد وسط باريس حيث محل إقامتي و قد كانت الإقامة في هوستل Adveniat Paris   و الذي يقع بالقرب من شارع الشانزليزيه الشهير و حقيقة أسرد لكم لما أخترت الإقامة بالهوستلات أو كما نسميها " بيوت الشباب " و هي  أماكن إقامة شبه فندقية و تختلف فقط أن الغرفة الخاصة بك تتشاركها مع عدة زوار أخرين يأتون في الغالب للرحلات و التنزه و يتجه الكثير من الشباب لاختيارها للأسباب التالية:-
·      
  •   سعرها رخيص مقارنة بسعر غرفة خاصة بك في فندق حيث يتراوح سعر الليلة في بيوت الشباب في المتوسط  25   دولار في المدن العادية و في حالتي مع باريس كان 46 دولار لأنه موقع ممتاز جدا،  والسعر رخيص مقارنة بأسعار الفنادق التي تبدأ من 70 دولار.
  • ·   نظرا لان بيوت الشباب لا تحتاج الكثير من الغرف فالزوار ينامون في غرف مشتركة لذا لا يحتاج المبنى مساحة واسعة لذلك تجد أغلب بيوت الشباب بالقرب من الأماكن الحيوية في المدينة بل ان الكثير منها يوفر عليك عناء شراء تذاكر حافلات لأنك لن تحتاجها في معظم رحلتك.
  • ·  يوميا ستجد العشرات من الشباب من مختلف بقاع العالم يأتون و يذهبون من الهوستل و بالتالي هي فرصة        جيدة للتعارف معهم و تبادل الثقافات ايضا شيء ممتع حيث ان زوار بيوت الشباب في الغالب هم من الشباب ذوي      العقلية المتفتحة ممن ينجذبون للثقافات الأخرى لذلك ستشعر أنك في رحلة شبابية مع مجموعة من اصدقائك.
  • ·  توفر لك ايضا نفس خدمات الفنادق ولو بشكل أبسط من ناحية صالة عامة للجلوس و الحديث و الحمامات النظيفة و المطبخ المشترك للأكل و في بعضها صالات للتسلية.


المهم أني خرجت من المطار وفي يدي الهاتف أتأمل في أعظم تطبيق يمكن لأي رحالة أن يستعين به إنه تطبيق Google Maps  حيث يكفيك أن تضع أسم المكان الذي تريد الذهاب إليه و مباشرة سيعطيك كيفية الوصل له و ما هي الخيارات المتاحة للوصول له سواء بالمترو أو الحافلات العامة أو سيارتك الخاصة أو إن كنت تريد المشي على الأقدام، فمثلا أنا كنت لكي أذهب من المطار حتى الهوستل توجب عليا أن أخد الحافلة حتى محطة معينة و من ثم القطار و من ثم المشي على الأقدام لبضعة دقائق، و كل تلك الخطوات مبينة بالتفصيل, حتى أن التطبيق يعطيك لون القطار او الحافلة و ايضا رقمها و في بعض المدن تستطيع معرفة موعد القطار أو الحافلة القادمة بالدقيقة لذا أنصح به بشدة في الرحلات.

عندما وصلت لمكان محطة الحافلات استفسرت عن أسعار التذاكر و من ضمن ما أُبلغت به أنه يمكنني شراء تذكرة بسعر 25 يورو و التي تمكنني من ركوب الحافلات العامة لمدة 3 أيام في فرنسا بشكل  متكرر ، لذا كانت خيار ممتاز جدا و أنصح بها مستقبلا لمن أراد زيارة فرنسا، صعدت على متن الحافلة و من ثم القطار و مشيت على الأقدام بضعة أمتار حتى وجدت نفسي أمام بيوت شباب Adveniat Paris  وخلال مشيي على الأقدام أعجبت حقيقة بالنمط المعماري لباريس و بحكم أنها اول زيارة لي لأوروبا فبالطبع لمحت بعض الخصوصيات الأوروبية في البناء و الشوارع و المواصلات، ولكن ما لفت نظري هو إحساسي ان المدينة كئيبة بعض الشيء لا أدري هل بسبب الشتاء أم أن تقاسيم الناس الباردة هي من سببت لي هذا الشعور الغريب في باريس و التي يسميها البعض مدينة العُشاق!.

كانت الليلة في هذه الإقامة تُكلف 46 دولار شاملة وجبة الإفطار و قد تشاركت الغرفة مع شابين أحدهما من كوريا الجنوبية و الأخر من أميركا، فأما اليافع من كوريا الجنوبية فيدرس الهندسة المدنية هناك و هو يقضي أجازه مدتها 43 يوم أمضى نصفها متنقلا بين المدن الأسيوية و الأوربية و سيقضي بقيتها في فرنسا و  اسبانيا و المغرب بعد أن شرحت له جمال المغرب و روعتها، و أما الأمريكي فقد كان مدرس تاريخ في ولاية فلوريدا و هو ايضا يقضي إجازة مدتها اسبوع قرر ان تكون في باريس،  لم تكن حواراتنا طويلة لأننا لا نلتقي إلا في الليل و لكن تستطيع أن تلتمس الفرق بين ثقافة الغرب – أمريكا – و الشرق – كوريا -  فالتعامل في مجمله جميل جدا و راقي لكن تجد هناك سلاسة و مراعاة للأخرين من الطرف الكوري أكثر بكثير فهم حساسين تجاه أي فعل أو قول يخرجونه.

من المفترض ان اليوم التالي سيكون أول أيامي باريس إلا ان فضلت ان تكون الليلة ايضا لها مناشطها خصوصا أن محل
إقامتي بالقرب من الشانزيليزيه  و برج إيفل اللذان يعتبران من أهم معالم باريس رفقة متحف اللوفر، لذا قررت أن أخرج لزيارة برج إيفل لأرى سبب تعلق العالم به و أيضا لأتناول وجبة عشاء، برج إيفل هو فكرة أراد مؤسسوه ان يكون علامة مميزة لباريس و
برج إيفل تلك الليلة - عدسة الهاتف

نجحوا في ذلك فقد تعلق الكثير به، إلا انني للأمانة لم يشدني البرج كثيراً و قد كنت مصمما  على الصعود لقمته و لكن عندما اقتربت منه و تأملته أحسست أنه عادي و لا يستحق أن أمضي ساعة أو أثنين فيه، لذا فضلت التقاط بضعة صور بالقرب منه  و من ثم التوجه لشارع الشانزيليزيه و قوس النصر اللذان يعتبران مقصد لكل هواة التسوق، تجولت لبعض الوقت هناك و تناولت العشاء في أحد مطاعم الشارع الشهير و كانت وجبة بيتزا فرنسية رائعة، و رأيت  أمرا غريبا فحتى أنه لم يمضي على دخولي لباريس إلا اربع ساعات إلا انني لاحظت ان مواطني دول جنوب شرق اسيا يتجولون في باريس بشكل كبير جدا و أكثر من المعقول فحتى أني لا ابالغ انه يستحيل ان تدخل شارع أو محل إلا و تجد أحدهم هناك، فهل الأمر يعود لكثرتهم بشكل عام في العالم أم أن باريس لها في قلوبهم وقع خاص!. 

لكي أكون صادقاً ففرنسا  عامة لا تستهويني بجمالها و رومنسيتها ولكن ما يشدني إليها هو متاحفها الكثيرة و المتنوعة  و ما تحمله من زخم معرفي و ثقافي هائل نفتقده للأسف في ليبيا، ولعل أشهر هذه المتاحف هو متحف اللوفر و الذي أعتقد أنه من أشهر و أكبر المتاحف في العالم، لذا كان هو مقصدي صباح اليوم التالي و كان الامريكي في نفس الليلة قد أخبرني أن اللوفر سيكون مزدحماً و يجب عليا أن أتي  مبكراً لأن سأجد الطوابير الطويلة أمام المتحف و ربما تمضي ساعة أو أكثر بقليل بين عملية الدخول و شراء التذكرة و هذا الامر ازعجني إذ كان لابد من النوم مبكراً للقيام مبكرا بالفعل.


قوس النصر

الاضواء هي ما تتميز به شوارع باريس

في صباح اليوم التالي اتجهت مع قرابة الساعة التاسعة صباحا لمتحف اللوفر الذي كان هو الاخر بالقرب مني فلم يلزمني إلا ربع ساعة على الأقدام لأكون داخل القصر الملكي الذي تحول مع الوقت لمتحف اللوفر الشهير، البوابة الرئيسية للمتحف هي على شكل هرم تنزل بك لمستوى تحت مستوى سطح الأرض و منه تستطيع أن تغوص في هذا المتحف الرائع، ما استغربته ان البوابة الأولى كانت عادية ولم تكن مزدحمة فقلت لربما ان التذاكر هي من سيكون عليها الازدحام – و الضرب بالبوني كما يقال في اللهجة الليبية -  إلا أنني وجدت القاعة الخاصة بشراء التذاكر شبه فارغة مع تعدد الشبابيك التي تبيع التذاكر و ماهي إلا دقيقة حتى كنت ممسكا بتذكر المتحف و البالغ سعرها 15 يورو في يدي دونما أي ازدحام و حينها أدركت ان الأمريكي  يهول في الأمور – كبار اشورخ كما يقال أيضا في اللهجة الليبية –.

الهرم هو البوابة الرئيسية للمتحف - صورة أنترنت 


في متحف اللوفر لا تنسى أن تأخذ الدليل الكتابي و المصور للمتحف و هو اشبه بالخريطة المصورة, لأنه حرفيا متاهة ستضيع فيه و لا اخفيكم سراً أنني من فرط التعب في نهاية جولتي بحثُ كثيرا عن بابا للخروج و لم أجد!،  المميز أن الدليل موجود بكل اللغات حتى العربية التي لا تجدها في أي مكان أخر ستجدها هنا في اللوفر فهو كما سترى ملتقى لكل الثقافات و الحضارات الحالية و الغابرة، بدأت جولتي في اللوفر و عيني تصبوا على جناحين لا ثالت لهما-  مع اهتمامي بالطبع بكل الأجنحة -  أولهما الجناح الإسلامي بكل تفاصيله و أثاره و الفيديوهات المصاحبة و الأخر هو  جناح الموناليزا – او الحاجة عزيزة كما أسميتها – فهي و برج إيفل أكثر ما تشتهر به باريس لدى سكان العالم.

في أروقة اللوفر حيث الجمال هو عنوان كل شئ - عدسة الهاتف


نصائحي لمن أراد زيارة اللوفر هي ان يكون حذائك رياضي و أن تجلب معك بعض المأكولات الخفيفة في جولتك الطويلة و ايضا حاول أن تكون جولتك مصحوبة برفيق فالتأمل في المتحف و اللوحات لوحدك ممل قليلا، نظراً لمحدودية وقتي في باريس قررت أن تكون زيارتي للوفر لا تتعدى الساعتين كما أخبرني الأمريكي رفيقي بالغرفة، إلا ان الواقع كان مغايراً لذلك فقد استغرقت زيارتي قرابة الخمس ساعات كاملة لم أستطيع خلالها ان أترك اللوفر فقد كان الأجنحة التاريخية مدهشة جدا، خاصة أني من هواة التاريخ لذلك شدتني الأجنحة و الفيديوهات المرفقة بكل جناح، و الجدير بالذكر أن المتحف يوفر لك مرشد صوتي بقيمة 10 يورو و هو جهاز صغير به سماعات للرأس مبرمجة مسبقا لتشغيلها امام كل لوحة أو جسم أثري  ببعض اللغات العالمية إلا انني فضلت عدم اقتنائه لأنه سيأخذ مني وقتاً طويلا و مع ذلك فقد اخدت الخمس ساعات كاملة، تجولت خلالها في كل أجنحة المتحف بعضها أستغرق مني وقتا في التأمل و بعضها كانت نظرة تكفيه، و ما أثار استغرابي بشدة هو عندما دخلت للغرفة التي انت تحتضن لوحة الموناليزا حيث كانت الجماهير العريضة تحتشد أمام لوحة الموناليزا و بينها حاجز أمني و كانت العيون تتلهف و تشرأب فقط لنظرة الى اللوحة الشهيرة و بينما كانت الجماهير العريضة تعطي وجوهها للموناليزا كانت هناك لوحة عظيمة كبيرة في حجمها و رائعة في رسمها تقف خلف ظهورهم، فبت في حيرة من أمري هل يتذوق هؤلاء الفن و و أدركوا فعلا ان الموناليزا أجمل من اللوحة الكبيرة  أم هي ثقافة العقل الجمعي التي قادتهم حتى وصلوا هنا متلهفين لسيلفي مع الحسناء الموناليزا!

الموناليزا التي تأسر القلوب و العدسات - عدسة الهاتف
الجماهير منبهرة بالموناليزا تاركة خلفها لوحة عظيمة !


خرجت من اللوفر و أنا معجب جدا بهذا الصرح الفني و التاريخي حتى أنني أستغرب من الشخص يزور باريس و لا يجعل اللوفر في رأس اولوياته، المهم أنني خرجت من المتحف دون ان يكون لي وجهة محددة فقررت أن أصعد اول حافلة تمر امامي لأصعد على متنها و من ثم أستكشف باريس في تلك الحافلة على ان انزل في أي مكان غير معلوم من باب الاستكشاف لا غير، و للتذكير فأنا قد اشتريت بطاقة تمكنني من ركوب الحافلات العامة لمدة 3 ايام بسعر 25 يورو بشكل متكرر متى احببت لذلك انصح بها لأي سائح، المهم اني صعدت على متن حافلة جابت بي شوارع باريس حتى قررت النزول و مشيت قليلا حتى وجدت طابور طويل بعض الشيء فسألت عن سبب هذا الطابور فأخبرني أحدهم اننا أمام برج مونتبرناس و هو اعلى قمة في باريس و يمكنني من رؤية باريس بنظرة 360 درجة في اعلى دور للبرج و هو الدور 64، فقررت الوقوف فأنا معتاد على الطوابير في ليبيا لأجل الخبز فما بالك بتجربة هذا البرج العالي، حقيقة ربما يكون نزولي  المفاجئ  من الحافلة مُقدر فلولاه لما وجدت هذا الصرح العظيم و الذي لا ادري كيف يمكنني ان ازور باريس دون ان اصعد عليه فقد كان يعلو لـ64 دور و يمكنك الدخول بتذكرة قيمتها 20 يورو و هي غالية بعض الشيء لكنه يستحق، قضيت بعض الوقت و انا أتأمل باريس من فوق و قد شاهدت غروب الشمس من هناك و كانت جلسة خيالية رومانسية جداً يحتاجها العُشاق لا عازب مثلي أنا.


مشهد الغروب من على برج مونتبرناس - باريس
شوارع باريس و أحيائها المنظمة كما تظهر من قمة البرج

إيفل كما يظهر من أعلى البرج

قضيت ليلتي تلك أجوب محلات الشانزيليزيه  و بالطبع لم أفوت طعم الكريب الفرنسي بالشكولاتة فهو معشوقي في أي مدينة أكون بها، و تجولت كثيرا في أزقة باريس حتى رجعت للهوستل  و انا مُجهد جدا، تحدثت قليلا مع الامريكي و الكوري رفقائي بالغرفة عن ما مر بنا في هذا اليوم و عن ما ننوي فعله ليوم الغد، كان لدي نصف يوم فقط ليوم الغد لسفري
الكريب الفرنسي له شهرة ولم أفوت تذوقه بالطبع
لمدينة برشلونة، و قد كنت في حيرة من أمري فقد كنت انوي أن أزور قصر فرساي وهو احد أشهر قصور أوروبا إلا أن الأمريكي اخبرني  ان فرساي يبعد 35 كم خارج باريس لذلك يجب ان اصحوا باكرا جدا لكي ازوره و أقضي  فيه وقتا كافيا ثم اعود لأذهب للمطار.

مع تعب و إجهاد يوم الأمس قررت اني سأنام لغاية 8.30 و ليذهب فرساي للجحيم فلن أغامر بزيارته وانا متعب فلربما اتعطل في المواصلات و أُفوت رحلتي لبرشلونة فتحدث لي ربكة كبيرة في مخطط الرحلة، لذلك فضلت أن أزور أحد المتاحف التي اخبرني عليها الكوري وهو متحف الاستكشاف و كان بالقرب مني، تناولت فطوري  و توكلت على الله و ذهبت للمتحف المذكور بواسطة صديقي الرائع جوجل ماب الذي وضعني على باب المتحف، تجولت داخل أروقة المتحف الذي كان يتمحور حول العلم بشكل عام فمنها الفلك و الأحياء و الفيزياء و الكيمياء و باختصار  هو متحف لتمجيد العلماء الفرنسيين و الأوروب بشكل عام ممن كانت لهم بصمة في هذه المجالات، المتحف جميل لكن لم يرق لي كثيراً لذلك فضلت أن أخرج لأتجول في أزقة باريس و بما أني كنت بالقرب من برج إيفل ففضلت أن أزوره بالنهار فقد زرته يوم اول أمس بالليل، تجولت القرب منه و شاهدت تلك الأمم المختلفة تحوم و تطوف حول هذا الهيكل الحديدي العظيم الذي يعتبر أحد أشهر معالم باريس، قبل ان أتجه للهوستل ومنه إلى  المطار فضلت أن ألتقط بعض الصور قرب محطة"  بئر حكيم" و هي محطة شهيرة جدا في باريس و بئر حكيم منطقة في شرق ليبيا انتصرت فيها القوات الفرنسية خلال حربها التي كانت تخوضها مع قوات الحلفاء بالحرب العالمية الثانية على ارض ليبيا، توجهت عقب التقاط صور بالمحطة الى الهوستل لكي اتجه مباشرة لمطار شارل ديغول الدولي و الذي يشتهر بكبر حجمه و روعته لذلك كنت متشوقا للوصول اليه لرؤيته و ايضا للسفر الى برشلونة معقل فريق البرشا و ميسي !.

مر الوقت سريعاً و ما أن وقفت في المحطة منتظرا القطار حتى أدركت من خلال الجوجل ماب ان زمن وصولي للمطار عبر 3 حافلات سيكون طويل لذلك  كنت أمام خيار مُر بعض الشيء أن أستأجر تاكسي خاص و هو خيار لم أجربه من قبل لعلمي بأنه غالي، استوقفت أحد التاكسيات الخاصة و كان باريسي أنيق أخبرته أني أريد المطار فأعتذر بأنه متجه لتسليم السيارة من مهمته اليومية و المطار ليست وجهته فطلبت منه  ان يوصلني بشدة لأني متأخر فلم يرفض و لكنه  أخبرني انه سيوصلني للمحطة الرئيسية الخاصة بزملائه مجاناً و من هناك يمكنني ان أخد أي تاكسي لأي مكان، حقيقة كما توقعت كان الباريسي أنيق في مظهره و أخلاقه ففي خلال الطريق حدثني عن باريس و  يفتخر أن أجداده من باريس و حدثني عن أن أهل  باريس الأصليين ذوي أخلاق عالية ولكن حركة الهجرة هي من تُغير الديموغرافيا و الأخلاق العامة للمجتمع، و من ضمن ما حدث انه عندما علم أنني من ليبيا  بادرني بالاعتذار عما حدث لليبيا ففرنسا هي المسبب الرئيسي لما فيه ليبيا الان فأخبرته أننا لا نلوم الشعب الفرنسي فساركوزي حينها هو المسبب في التدخل الحربي في ليبيا و نواياه ابدا لم تكن صافية لكنه قاطعني بجملة لن انساها " نحن من انتخبنا ساركوزي "، هنا حقيقة كدت أقف احتراما لهذا الرجل فقد تحمل مسؤولية فعل لم يفعله لا لشيء إلا  أن ساركوزي  هو نتيجة انتخابات للشعب الفرنسي، فيما نجد الكثير من الناس في مجتمعاتنا تتنصل من مسؤولية لكارثة حدثت بسبب سياسات عامة هم السبب الرئيسي فيها!.

أوصلني للمحطة و ركبت في سيارة أخرى كانت تُكلف 50 يورو لكي يوصلني للمطار و كان السائق تونسي الأصل و لم أكتشف هذا الا بعد أن سألني من اين فقلت له انني من ليبيا فغيرنا اللغة للحديث بالعربية، وصلت لشارل ديغول و  أخدت كرت الصعود و اتجهت لبوابة الصعود مباشرة و حقيقة كان المطار متحف بذاته فقد كان كبيرا و يحوي العديد من الكماليات و الأمور التي تجعله اكثر من مجرد مطار!.

هنا تنتهي الرحلة في باريس لتبدأ رحلة أخرى وفصول جديدة في أسبانيا و الاندلس حيث ميسي و قصر الجمراء و مسجد قرطبة!

لقراءة الجزء الثاني أضغط هنا 









هناك تعليق واحد: