الجمعة، 23 يناير 2015

سرد تاريخي لسقوط طرابلس ليلة 23 يناير من العام 1943.. بالفيديو و الصـور .



ليلة 23 يناير و سقوط طرابلس  و ما أشبه اليوم بالأمـس ...

 سرد مفصل لتلك اللحظات .

القائد العسكري مونتجومري صحبة الجيش الثامن البريطاني يدخلون طرابلس فاتحين .

 بقلم / صلاح الدين البُطي 

ضمن سلسلة #أرشيفهم_وتاريخنا أفتح اليوم ملف دخول الجيش الثامن البريطاني بقيادة القائد الفذ مونتوجمري  إلى طرابلس فاتحين لها بعد مطاردة طويلة لقوات المحور أبتدءت من الحدود الغربية لمصر و وصلت في مثل هذا اليوم لطرابلس قاطعين 1800 كم في ثلاثة أشهر بمعدل تقدم 20 كم يومياً. و أستمرت حتى تونس .

قوات الجيش الثامن البريطاني و هي قريبة جدا من دخول طرابلس بعد طرد الفيلق الأفريقي يقيادة رومل

فكما هو معروف لدى الكثير فقد أشتبكت قوات المحور و الحلفاء في أماكن عديدة من العالم و كان اهمها بعد أوروبا هي جبهة شمال أفريقيا بين القائد الألماني  رومل و القائد الأنجليزي مونتوجمري , حيث أبدى الإثنان براعة و دهاء كبير في القتال إلا ان كفة الحلفاء بقيادة مونتوجمري هي من رجحت لاسباب عديدة لعل أبرزها الغطاء الجوي الكثيف لصالح الحلفاء على حساب قوات رومل و أيضا نفاذ الدخيرة لرومل نتيجة الجهد الكبير و المسافة الطويلة من طرابلس حتى العلمين بمصر .  .

إرفين روميل، قائد القوات الألمانية في شمال أفريقيا 1942

كانت شمال افريقيا تخضع شبه كاملة للاحتلال الإيطالي و هو ضمن دول المحور و بدأ الكر و الفر بين الفريقين , و  سقطت طبرق بيد الحلفاء يوم 22 يناير من العام 1941 و تلاها سقوط سريع لعدد من المدن الاخرى ,وسرعان ما تراجعت فلول الطليان, واحتل الإنجليز برقة ، ودخلوا مدينة بنغازي ليبقوا فيها 56 يوما ، قبل أن ينسحبوا في يوم 3 أبريل 1941 أمام الهجوم الكاسح الذي شنه الألمان بقيادة الجنرال رومل الذيو صل طرابلس  في 12 فبراير 1941  وتولى قيادة الفيلق الأفريقي.

خريطة تفصلية توضح سير المعارك على طول الساحل المصري و الليبي و التونسي 

. وبدورهم شن الطليان العائدون حملة انتقامية من كل من ظنوا أنه تعاون مع الإنجليز, وكان مع الإنجليز وحدات من الجيش الليبي الذي أسس مؤخرا في مصر , ضمن أتفاقية لنيل ليبيا إستقلالها فور هزيمة الطليان , ولكن سرعان ما أخلت بريطانيا بوعدها لاحقا .

وعاد الجيش البريطاني ثانية ( 25 / 12 / 1941) إلى بنغازي ، لكنهم اضطروا خلال شهر التراجع إلى الحدود الليبية المصرية أمام اندفاع الفيلق الأفريقي من الجيش الألماني. وبدا استيلاؤه على مصر أمرا محتملا. لكنه توقف داخل الحدود المصرية ، وبقيت المواجهة إلى أن استلم الجنرال مونتجمري قيادة الجيش الثامن البريطاني وحصل على تعزيزات ، مكنته من الانتصار في معركة العلمين الشهيرة ومن ثم التقدم في ليبيا ، ليدخل الإنجليز بنغازي يوم 20 نوفمبر 1942 ، ثم مواصلة الزحف إلى طرابلس التي دخلوها في 23 يناير سنة 1943.

مدفعية حاصة بقوات الجيش الثامن البريطاني

تلك هي الخطوط العامة لمراحل الحرب قبل سقوط طرابلس ، لكنها لا تنقل إلينا تفاصيل المعاناة والرعب الذي رافق تلك الأحداث وقد حالفني الحظ في العثور على وصف بقلم أحد أبناء طرابلس ، أقتطف منه هنا بعض الفقرات بشئ من التصرف: 

’’وأمام نذر الهزيمة المؤكدة ، بدأ الطليان في تخريب منشآتهم العسكرية وتفكيك ونقل بعضها .. ’’ وشاهد الناس حالة الفزع والرعب .. الذي انتاب الطليان .. فأصبحوا يجوبون شوارع طرابلس ويتعلقون بأي مركبة متجهة نحو الحدود التونسية ، لا فرق في ذلك بين العسكريين والمدنيين وخاصة أعضاء الحزب الفاشستي .. فاستبشر الليبيون خيرا ..‘‘. ويصور أحد أبناء الظهرة ، أجواء طرابلس إبان الحرب. إذ فقدت المدينة اتصالها بأبنائها المهاجرين في تونس ومصر. وتوقفت المدارس وانقطع السكر وشح الدقيق والدخان ، وامتلأت الليالي بأزيز الطائرات ولهيب القنابل .. حتى كانت ليلة الشؤم ، ليلة الفراقيط .. ليلة صبت فيها بوارج الحلفاء نيرانها على المدينة.

وعاشت المدينة أثناء الحرب في جو من الأكاذيب والتبريرات الإيطالية التي أصرت على أن النصر سيكون حليفها .. وفي النهاية غادرجنود إيطاليا طرابلس دون مقاومة. وجاء الإنجليز .. ثم عاد في إثرهم أسرى الحرب من المجندين الليبيين ، أو " اليسرا " كما سماهم الناس بالدارجة الليبية.

وفي البداية سرت موجة من الفرح والتوقع بين الناس عندما دخلت إيطاليا الحرب ، على امل أن تقود إلى تغيير ما أو على الأقل تخفيف قبضة الطليان على البلاد. ومبكرا قامت طائرات فرنسية بشن غارة على ميناء طرابلس. واضطر المقيمون بوسط المدينة إلى الخروج إلى البساتين في الضواحي وإلى القرى المجاورة لطرابلس. وكانت المرحلة التالية هجوم إيطاليا على مصر وكان أن توقف زحف الجيش الإيطالي بقيادة السفاح غراسياني عند سيدي براني ، ثم أسره عندما قام الجيش الإنجليزي بشن هجوم
مضاد. وتقدم الإنجليز إلى العقيلة. ولجأ معظم مستوطني برقة إلى طرابلس التي أمست مكتظة.

وتواصلت الغارات الجوية الإنجليزية على المدينة وسقطت إحدى الطائرات المهاجمة على محلة كوشة الصفار بالمدينة القديمة وهدمت عددا من البيوت وراح ضحية الحادث عدد كبير من القتلى والجرحى. وهكذا ازدادت الهجرة إلى خارج المدينة ، وأقام الكثيرون في أكواخ بالضواحي. ونقصت السلع والمواد الغذائية ونضبت النقود بتوقف الأعمال. ويصف الأسطى جوانب من الحياة الصعبة والخطرة آنذاك. من ذلك أنه كان يمتلك مذياعا,  وكان المذياع آنذاك يحتاج لترخيص ودفع رسوم سنوية لإدارة البريد ،
وإلا تعرض للمصادرة. وقام بتهريب مذياعه إلى بني وليد حيث لجأت أسرته ليسمع الأخبار من لندن والقاهرة ، ثم يخبئ الجهاز تحت السرير .. وكان الطليان قد نصبوا مكبر صوت في ميدان السوق ببني وليد لإذاعة بياناتهم الدعائية. ثم حمل مذياعه إلى العزيزية‘‘.

نزلت القوات الألمانية في العقيلة وتقدمت حتى العلمين داخل الحدود المصرية ، وارتفعت معنويات الطليان. وأعيد فتح المدارس في طرابلس. لكن الدراسة لم تستمر سوى شهرين ، نظرا لبدء الهجوم الإنجليزي بقيادة مونتجمري. وواصل الإنجليز تقدمهم نحو طرابلس ، ’’ ووقفت أشهد أرتال دباباتهم وهي تتقدم .. وهكذا شهدت بأم عيني دخول الطليان إلى طرابلس .. وأن أشهد خروجهم منها في 23 يناير 1943 .. ولا يستطيع القلم أن يصف مشاعر الارتياح التي عمت الأهالي بالخلاص من الطليان .. حتى أنهم نسوا كوارث الحرب .. وطاف جنود الجيش الثامن الإنجليزي ، وكانوا نيوزلنديين .. بالشوارع .. 

فيديو خاص من أرشيف قناة انجليزية واكبت دخول وإحتفال الناس بقوات الجيش الثامن بقيادة مونتوجمري 

لمشاهدة الفيديو على اليوتيوب يرجى الضغط على الرابط ادناه 


وتجاوزت عمليات النهب حدودها .. واستمر الحال على ذلك لمدة تزيد عن شهر .. وتعطلت المواصلات نهائيا واقتصرت على الدواب .. وخيم شبح المجاعة. لكن مقاومة الألمان والطليان لم تطل ، وانسحبوا إلى صقلية .. فشعر الناس بالأمان وبدأوا العودة إلى طرابلس .. ثم انتشرت حمى التيفود وحصدت الأرواح‘‘.

ووصلت الدبابات الإنجليزية ونصبوا الخيام وأقاموا معسكراتهم .. وحرصوا على كسب ود الليبيين وسرعان ما ’’ ربط أفراد القوات الإنجليزية علاقة مع الأطفال قامت على مقايضة البيض .. بالشاهي والسكر والأرز والدقيق‘‘ كما يقول الجنزوري.

لوحة فنية لرسام أنجليزي بمدينة سـرت يصور طريقة تبادل البيض ببعض الأموال و الزيوت و هي نفس الطريقة التي أوردها الجنزوري 

وسرعان ما تحولت المقايضة إلى تجارة مزدهرة شملت الملابس والأحذية والبطاطين وعلب الدخان. وعاد النازحون الذين لجئوا إلى القرى المحيطة أثناء الحرب ، إلى بيوتهم. لكن الحرب هي الحرب ، فانتشرت البطالة وارتفعت الأسعار .. وازداد التسول والسرقة والدعارة .


و في يوم 7 فبراير من نفس العام أقام الجيش الثامن البريطاني عرضا عسكريا ضخما بالساحة و سط طرابلس المعروف حاليا بميدن الشهداء , حيث حضر العرض شخصيات كبيرة في مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني  تشرشل و قائد الجيش الثامن مونتوجمري , وسط حضور شعبي من أهالي طرابلس , الضائقين درعا من قوات المحور المثملتة في الإحتلال الطلياني .

بعض الصور للإستعراض العسكري لقوات الجيش الثامن بطرابلس 





كانت كلمة تشرشل مقتضبة ولكنها حماسية نظرا لشخصيته القوية فقد قال لأفراد الجيش الثامن :-

" لاحقا عندما تكونون في المنزل و يسألكم أطفالكم مادا قدمتم في الحرب يكفي فقط ان تقولوا نحن كنا ضمن الجيش الثامن البريطاني في شمال افريقيا . "



و تلاه القائد مونتوجمري بكلمة مجد فيها بريطانيا و جنود الجيش الثامن 



المصادر :-
  1. السيرة الذاتية للقائد رومل و القائد مونتوجمري على موسوعة الويكيبيديا النسخة العربية و الأنجليزية .
  2. تسلسل أحداث الحرب العالمية الثانية على موسوعة الويكيبيديا العربية .
  3. منتدى الجيش العربي  http://www.arabic-military.com/t2739-topic
  4. موقع الحرب العالمية الثانية اليوم الخاص بالجيش البريطاني http://ww2today.com/category/1943/january-1943.
حقوق نشر التدوينة مفوحة شرط ذكر المصدر " أسم الكاتب " . 

هناك تعليقان (2):